اطرق الباب ستجد مالا يسرك

في أحد أيام الأسبوع الماضى حولت
إسرائيل ما يقرب من 200 شخص آخرين إلى مشردين يقيمون في الشارع. وقد ترك
هؤلاء المشردون الجدد ليلقوا مصيرهم دون أن يسمع بهم أحد أو يهتم
بمستقبلهم فعندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين والبدو لا تكون هناك أهمية
لمسألة إزالة تجمعات سكنية وهدم منازل. ولا أحد يتحدث عنهم، ولا يتناقش،
وليس هناك أى نقاش عام حول إخلائهم، والحصول على تعويضات هو مجرد حلم،
والحصول على مساعدات نفسية نوع من الوهم . لا أحد يهتم بهم - من هم أساساً
- وطردهم ليس "اقتلاع جذور". فالمنازل التي بنوها على أراضيهم الخاصة "غير
قانونية" على الإطلاق ولذلك ليس لها سوى حكم واحد في دولة القانون. وكل ما
حولها، من بؤر استيطانية ومستوطنات، ومستوطنات صغيرة ومصادرات أراض ونزع
ملكية و نهب الأراضي وسرقة الزيتون هي أمور قانونية وشرعية تماماً، إلا أن
"هذه المجموعة الصغيرة من أكواخهم ومنازلهم البائسة، هى فقط "غير ال
قانونية


لابد من
حفظ النظام والقانون، لذلك انقضَت الجرافات يوم الاثنين (29/11) من
الأسبوع الماضى على عشرات المنازل وأكواخ الصفيح غير القانونية في قرية
عناتا وسو َّ تها بالأرض. في هذا العمل الحقير ليس هناك رافضون: فقد قامت
قوة من حرس الحدود والشرطة، بقيادة زوهر من الإدارة المدنية - وهذا هو
الاسم الذي اشتهر به بين السكان- بصحبة مجموعة عمال أجانب من أفريقيا،
بإنجاز العمل بلا تردد أو ثرثرة. ولم تصدر عن الحاخامات أى فتوى، ولا
تعلقت أعين تلاميذهم بالسماء، وذهب رجال زوهر ليناموا في هدوء بعد يوم عمل
شاق. هنا لا يقومون سوى بالهدم والإزالة والتدمير. حوالى 200 من ال "سكان
معظمهم أطفال، وقفوا مذهولين بين الأطلال بعد ضياع أملاكهم وتدمير حياتهم،
بدون "إدارة للإخلاء وبدون تعويض، وبدون احتجاج وبدون مظاهرات. ليس لديهم
مكان يذهبون إليه. وبالنسبة لبعضهم كانت هذه ثالث مرة يتعرضون فيها للطرد
والتدمير في حياتهم


لكنهم
ليسوا وحدهم. فطبقاً لبيانات "بتسيلِم" دمرت إسرائيل خلال السنوات الأربع
الأخيرة أكثر من 4100 منزلاً، وخلفت 17 ألف طفل بلا مأوى، دمرت منازلهم
لدواعي " عسكرية " أو "للعقاب"، أو بسبب " ا لبناء غير القانوني". ففي
المناطق المحتلة أي سبب سيكون مقبولاً لتدمير أي منزل غير يهودي. فاليد
التي تتسرع في الضغط على الزناد، لن تكون أ قل تسرعاً بالطبع في استخدام
البلدوزر


ترتفع
أبراج الحراسة الخضراء، كأبراج قلعة صليبية فوق سجن القدس الجديد الأنيق
الواقع فوق المنطقة الصخرية أمام عناتا. إن سجن ساحة الروس
- أكثر
ما يثير رعب الفلسطينيين - أصبح هنا الآن. كلاب الحراسة لا تكُف عن
النباح. منذ الآن سيتم التحقيق مع السجناء الفلسطينيين، وتعذيبهم فوق هذه
التلة المرتفعة. وفوق التلة القريبة تفرغ شاحنات عملاقة المرة بعد الأخرى
أكوام التراب، ويقولون إن الجيش الإسرائيلي يقيم هناك منطقة تدريب
جديدةفهناك يوجد مكان لكل شئ - للسجن الجديد التابع للشرطة، ولميدان رماية
جديد للجيش الإسرائيلي وللجدار العازل الذى سيصل هنا قريباً، وللبنايات
السكنية لتوسيع مستوطنة معاليه أدوميم وللطريق الجديد الذي يمزق الوادي،
ويربط بين التلة الفرنسية ومعسكر عنتوت، وهو موضوع لا نظير له في الأهمية.
ولا يضيق المكان سوى لمنزل دائم لإحدى العائلات


فالأبراج
العاجية للجامعة العبرية في جبل الأولياء تلتزم الصمت كالمعتاد تجاه ما
يحدث خارج الحرم الجامعي. هل لاحظ أحد من الأساتذة الأنقاض التي تجمعت
أمام ناظريه في الأسبوع الماضي؟ هل لاحظ أي من الطلاب عشرات الأكواخ
الصفيح التي هدمت من أجله؟


عمر
قبوعا، البالغ من العمر 19 عاماً ، هو أحد أفراد أسرة المشردين الجدد. جاء
والده البدوي إلى هنا فى بداية الثمانين يات من بئر سبع، كمواطن إسرائيلي
بحثاً عن عمل. والتحق هنا بالعمل كحارس وبنى بيتاً عام 1995 فوق أرض خاصة
كان قد اشتراها لنفسه. وباءت بالفشل كل محاولاته للحصول على تصريح بناء
قبل أن يتم بناء البيت، كما هو متبع هنا. كان يقيم في هذا المنزل 21 شخصاً
– ال أب وزوجاته الثلاث وأولادهم فى أربع شقق فى البيت الحجري المكون من
طابقين. والآن أصبحوا جميعاً مشردين


في
يوم الاثنين من الأسبوع الماضي، في التاسعة إلا الربع صباحاً حضر مسئولو
الهدم. كان ال جميع تقريباً داخل المنزل، حتى أصغر طفل وعمره شهران.
شاهدوا قوة من سيارات الجيب، والجرافات تحت قيادة زوهر من الإدارة المدنية
في بيت إيل ، قادمة من الوادي، فسارعوا باستدعاء كل الأطفال من المدرسة.
وبدأ عمال سود في تفكيك الدواليب، ثم ظهرت الجرافات. حتى الثلاجة أخرجوها.
و بعد ساعتين ونصف أنهوا المهمة المقدسة. وحكى قبوعا عن كل شئ باقتضاب،
جاءوا وهدموا ثم ذهبوا. إنهم الآن "يسكنون في أكواخ صفيح أعلى التلة. فأين
يسكنون؟ يقول قبوعا : "إلى أين نذهب؟. إنها أرضنا


وصلت
السيدة الأولى، صابحة قبوعا، الزوجة الأولى لصاحب المنزل . عمرها 40 سنة،
ولا تذكر كم طفلاً لديها، يقول عمر إنهم عشرة، ثمانية مازالوا في المنزل
واثنان تزوجا. قالت الزوجة:" لقد وفرنا كل شيكل لم نكن نلبس ثياباً مناسبة
أو نأكل طعاماً جيداً حتى نبنى هذا المنزل. وجاء زوهر وأطاح بمستقبلنا في
ثانية". لقد دمروا منزل أختها منذ ستة أشهر، والآن أعادوا بناءه، كمأوى
مؤقت في النهار . وهى تنام ليلاً على سقيفة أعلى ال تل . وقد سافر زوجها
إلى بئر سبع، وجدت ضُرتها الأولى مأوى فى منزل أبويها، وهى لا تعلم مكانه،
أما الثانية فسكنت معها في السقيفة. "ليساعدنا الله. لو كنا إرهابيين، لما
فعلوا بنا ذلك. لسنا أعضاء فى حماس ولا فتح. إننا بدو. وهم يعلمون أننا
بدو، لماذا إذن فعلوا بنا هذا؟ إلى أين يريدون أن نذهب؟ إلى الملك عبد
الله ليلقي بنا في نهر الأردن؟. أم إلى مبارك ليلقى بنا في النيل؟ وصمتت
السيدة قبوعا


انتقل
عمال الهدم، من بيت قبوعا إلى البيت التالي على المنحدر. خرجت صاحبة
المنزل، هدى دنديس من منزل الجيران، بين ذراعيها طفل رضيع، اسمه غسان
وعمره عام ونصف، وطفل يحبو خلفها، ممسكاً بملابسها، اسمه رمضان وعمره
ثلاثة أعوام ونصف. سيحمل هؤلاء الأطفال معهم إلى الأبد ذكرى هدم منزل
طفولتهم. ودنديس التي تعلمت العبرية في المدرسة، تبلغ 28 عاماً، لديها ستة
أطفال، وزوجها سائق في شركة الكهرباء في القدس الشرقية. وقد بنوا هذا
البيت منذ 13 عاماً. استيقظوا في السادسة من صباح يوم الاثنين عندما سمعوا
الضجة التي أحدثتها قوة الإزالة. كانت ترافق قوة الإزالة سيارات جيب كثيرة
تابعة لحرس الحدود والشرطة. تقدمت إلى أعلى، اجتازوا منزلهم وكانت دنديس
مقتنعة بأنهم ذاهبون إلى بيت آخر. ولكن بعد أن انتهوا من تدمير منزل
قبوعا، جاءوا إليها


قررت
دنديس البقاء داخل منزلها. أرسلت أطفالها وزوجها إلى الخارج ولم توافق على
الإخلاء. مثل الحركات المعارضة ل خطة فك الارتباط. قال لها رجال الشرطة
عبر النافذة: "افعلي ما يروق لكى، سنهدم المنزل". وعند استدعاء والدها
المريض إلى المنزل، خافت على صحته وخرجت في النهاية. وكعقاب، لم يَسمحوا
لها بإخراج أى شئ تقريباً من المنزل. اكتفت بإخراج الثلاجة و الغسالة
الجديدة التي كانوا قد اشتروها، وكانت ما تزال في صندوق ها الكرتوني. ولم
تتمكن من إخراج غرفة نومها


نامت
ثلاثة أيام في العراء مع أطفالها، لم تشأ أن تنتقل إلى منزل الجيران. "لم
أشأ أن أصبح عبءً على أى شخص. أريد أن أكون حرة. وإذا استضافوني لعدة
أيام، فماذا بعد ذلك؟ هل أعود إلى الشارع؟ في نهاية الأمر رضخت تحت برودة
الجو، وانتقلت إلى بيت مُنح لهم لمدة شهر. وهى الآن تقيم في الخيمة
البيضاء التي أقامها الصليب الأحمر الدولي، وتنام ليلاً في المنزل المؤقت


مازالت
آثار الجرافات منقوشة على الأرض. ويسأل عمر ي ن "لماذا يأتون دائماً في
الشتاء ؟". لقد سبق أن جرب هو وأبناء قبيلته الهدم والطرد. ففي عام 1948
تم طردهم من النقب، ومنذ حوالي عشر سنوات طُردوا من منطقة بُنيت عليها
قاعدة عناتوت التابعة للجيش الإسرائيلي، وهم الآن بصدد طردهم من هنا
أيضاً. يقول عمر ي ن في يأس:" لم يَعُد هناك مكان نذهب إليه، طوال الوقت
يقولون لنا: تحركوا قليلاً إلى الوراء. وعندما جاءوا يوم الاثنين قالوا
لنا: اذهبوا إلى الأردن أو إلى السعودية". كان هناك مُلصق من جهة رسمية
على باب الكوخ الصفيح نصف المُهدم، ومُلصق من الجنود الفوضويين على مائدة
*الفورمايكا التي يُقدم عليها فتات الخبز، وزيتوناً مخللاً وزيت زيتون من
محصول هذا العام. وفي الجوار معاليه أدوميم والسجن


كانت
الساعة الثانية بعد الظهر وتأخر الوقت على عمال الهدم. قالوا للبدو
المذهولين :"خمس دقائق وتخلون كل شئ. خمس دقائق. ست دقائق لا ، خمس دقائق
فقط ". خمس دقائق من الحركة، وسارع البدو بإنقاذ كل ما أمكنهم خلال خمس
دقائق. أُطلق الغاز المسيل للدموع، ل ضمان مزيد من الأمن، وكانت قنابل
الغاز التي أطلقتها الشرطة تنتشر على الأرض. وهدد رجال زوهر بالعودة في
اليوم التالي، وهدم ما سيعيد البدو بناءه، لكنهم لم ينفذوا تهديدهم حتى
الآن و تم ترميم جزء من حى الخيام. عندما تفاجأ امرأة هنا بآلام المخاض
يجب نقلها إلى المستشفى في رام الله، وهو ما يستغرق ساعة ونصف في اليوم
العادي عندما تكون الحواجز متساهلة. الطريق مغلق أمامهم إلى مستشفى
أُوجستا فيكتوريا القريبة منهم بالقدس ويقول العجوز حسن عمر ي ن، أبو
نائل، الذى يتذكر طرده الأول من النقب، والثاني من عناتوت:"ليمزقهم الله
إرباً ، مثلما مزقونا". وقد اكتفت المتحدثة باسم الإدارة المدنية، تاليا
سوميخ، بتعليق مقتضب على كل "أعمال الهدم وقالت : " إنها مبان تم بناؤها
بدون تصريح قانوني وبما يخالف القانون، لذلك تم هدمها


يعلن
تاجر الخردة الحديدية عن قد و مه بمكبر صوت أجش. لديه هنا الآن بضاعة
كثيرة، بقايا شقق ومنازل، تشمل المخلفات الألومنيوم المتخلفة عن "قنبلة
غاز متفجرة خاصة بالشرطة الإسرائيلية صالحة "للاستخدام لمدة خمس سنوات من
تاريخ الإنتاج