حُسن العلاقة مع الآخرين
ونعني بهم والديْ كلٍّ من الزوجين وأقاربهما، وكذا جيرانهما. فعلى كل من الزوجين أن يراعي حق صاحبه في والديه وأقاربه، وألا يذكر أحداً منهم بسوء، فإن ذلك يوغر الصدور، ويجلب النفرة بين الزوجين، وكم من زوج تحدث أمام حليلته بمثالب أبيها وسقطاته – وهو مَن هو في جلالة قدره عندها – فأحدث ذلك ألماً في قلبها أطفأ شمعة السعادة المضيئة في حياتها مع زوجها، وأشد من ذلك الحديث عن أمها.
وإذا كان هذا في حق الزوج وله القوامة، فما بالك بحديث الزوجة عن والدي زوجها بسوء.
ولسنا نلزم أحداً منهما بمحبة أقارب الآخر، فالقلوب بيد الرحمن، يصرفها كيف يشاء، ولكنا نُحتِّم عليه أن يحفظ لصاحبه مشاعره، وكرامته وعرضه.
وأقارب كل من الزوجين يجب احترامهم وتقديرهم وعدم الإساءة إليهم. أما عن علاقة الزوجين بالجيران، فتختلف باختلاف الجيران، فينبغي عليهما تحديد إطار مسبق لعلاقتهما بهم.
__________________
القدرة على حل المشكلات
ما من زوج ولا زوجة إلا ويريد أن يجعل من نفسه شخصاً قادراً على حل المشكلات الزوجية، والتغلب عليها، ولذا سنطيل النظر فيها لأهميتها، وعظم خطرها. ويتم ذلك في نظري بمراعاة عدة أمور.
أ- التروي والحكمة:
عندما يمعن المرء النظر في الحياة الزوجية عند عامة الناس لا يكاد يجد بيتاً يسلم من مشكلة تخْبو نارها إلى وأخرى على إثرها يتأجج أُوارُها. وليس هذا غريباً على طبائع البشر، حتى بيت النبوة لم يكن بمنأى عن تلك الخلافات لكنها حكمة الله تتجلى في وجودها، ليظهر للناس كيف يقف المصطفى صلى الله عليه وسلم منها، فتقتدي الأمة به، وتتأسى بهديه، ولو شاء الله لصفّى للمصطفى حياته من الكدر، ومشكلات البشر.
يروي أنس – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بِصَحْفَةٍ فيها طعام، فضربت التي كان النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها يد الخادم. فسقطت الصحفة، فانفلقت،
فجمع النبي صلى الله عليه وسلم فِلَقَ الصحفة، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة، ويقول: " غارَتْ أمُّكم"، ثم حبس الخادم حتى أتى بصحفة من عند التي هو في بيتها، فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كُسِرت صحفتها، وأمسك المكسورة في بيت التي كسرت فيه(1).
فانظر – رعاك الله – إلى هذه الأناة وتلك الحكمة من هادي البشرية في معالجة الخلافات، واحتواء المشكلة قبل أن تكبر وتتعاظم.
إن من أعظم ما يجب الاستمساك به عند اندلاع نار الفتنة في بيت الزوجية هو أن يطفئ المرء نارها بماء الأناة والحكمة وإلا فإن النار قد تزداد اشتعالاً فتُهْلِك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد.
ولقد حدث لأحد الأزواج خلاف مع زوجته، أثار غضبها، وطلبت منه الطلاق بقوة وإلحاح، فأمرها أن تأتي بورقة وقلم ليكتب ما تريد، فجاءت بهما، فأشار عليها أن يؤجل الكتابة إلى الغد، فوافقت، فما أشرقت شمس غد حتى أشرق نور الوِفاق بينهما، بعد زوال سَوْرة الغضب، وحِدّة التّوَتّر وعلمت الزوجة أثر أناة زوجها في حل المشكلة وتلافيها.
ب- التكيف:
ونقصد به: حمل كل من الزوجين نفسه على التأقلم مع صاحبه ومراعاة اختلاف طبيعته، وطريقته في التعامل.
وهذه المسألة من أخطر المشكلات التي تواجه الزوجين في بداية الزواج، كما حدثني بذلك أحد المختصين، لأن كلاً منهما قد عاش في بيئة تختلف عن بيئة الآخر وعلى منهج مغاير، فهل ينتظر منهما أن يتوافقا في الأذواق والأمزجة والطبائع في غضون ليالٍ قليلة إن لم يحمل كلٌّ نفسه على التكيف مع صاحبه، خصوصاً في بدء حياتهما. وعندما ينعدم التكيف نسمع أن فلاناً طلق عروسه ليلة عرسه، وآخر فارقها بعد أسبوع، وأخرى طلبت الطلاق بعد شهر، وكان الأجدر بهؤلاء أن لو تريثوا وحملوا أنفسهم على الاختلاف الطارئ في التعامل.
جـ- ضبط اللسان:
حفظ اللسان من سيئ الكلام، وبذيء الحديث، والثرثرة أعظم مفتاح يمتلكه المرء لإغلاق باب المنازعات على نفسه، إذ لو تأمل العاقل في غالب منازعات الناس، فضلاً عن الزوجين، لوجدها من عثرات الألسن، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين قال لمعاذ – رضي الله عليه -: "وهل يكبُّ الناسَ في النار على وجوههم، أو قال على مناخرهم، إلا حصائد ألسنتهم"(2).
نعم إن فلتات اللسان مقاتل الإنسان، وأماني الشيطان، وصدق من قال:
يُصـاب الفتـى مـن عـثرة بلسانه
وليس يُصاب المرء من عثرة الرجل
فعثـرة القـول تُـذهِـبُ رأســه
وعسـرته بـالرجل تـبرأ على مهل
وآخر يقول:
احفظ لسـانك أيهـا الإنسـان
لا يلـــدغنّك إنـــه ثُعبــان
كم في المقابر من قتيل لسانه
كـانت تهــاب لقـاءَهُ الشّـجعان
وثالث يبيّن مدى السلامة في ترك الثرثرة:
الصمـت زَيْنٌ والسكوت سلامة
فإذا نطقت فلا تكن مكثارا
فلئن ندمت على سكوتك مـرة
فلتندمنّ على الكلام مرارا
ولذا فعلى كل من الزوجين حفظ لسانه وبخاصة عند حدوث المشكلات وارتفاع سَوْرَة الغضب، فمنه كلمة ومنها أخرى حتى يقع المحذور.
د- عدم نقل المشكلات خارج البيت:
إن نقل المشكلة خارج نطاق البيت يعني بقاءها، وازدياد اشتعال نارها، وخصوصاً إذا نقلت إلى أهل أحد الزوجين، لأنهم لا يدركون أبعاد المشكلة وأسبابها، وغالباً ما يسمعون القضية من طرف واحد، هو خصم، والخصم لا يسمع كلامه إلا بحضور خصمه، فيحكمون حكماً جائراً أعور، وقد تأخذهم الحمية لإنقاذ ابنهم أو ابنتهم، فيُضْرمون نار العداوة والبغضاء بين الزوجين إضراماً يذهب بالبقية الباقية من أواصر المحبة بينهما.
وغالب ما يحدث من منازعات بين الزوجين إنما هي أمور طفيفة لأسباب تافهة، تقوم لسوء مزاج أحدهما في وقت معين أو نحو ذلك،
ثم تُصور للآخرين بألفاظ أضخم من حقيقة المشكلة فيظن السامع لها الذي لم يعايشها أنها كبيرة ومستعصية، فتأتي على إثر ذلك حلول شوهاء، يذهب ضحيتها الزوجان. ولذلك كان من المستحسن أن يتواصى الزوجان، ويتعاهدا على عدم نقل مشاكلاتهما خارج عشّ الزوجية، وأن يحرصا كل الحرص على ألا تبيت المشكلة معهما ليلة واحدة.
إن عضّك الدّهر فكن صابراً
على الذي نالك من عضّته
أو مسـك الضر فلا تشتك
إلا لمن تطمعُ في رحمته
هـ-استشارة ذوي العقول وأهل الاختصاص(3):
إن التشاور مع ذوي الشأن وأرباب الحِجى عامل مهمّ في كل ما يحدث من خلاف بين الزوجين، ذلك لأن غيرك يعرف من الحلول ما لا تعرفه، وقد يكون ممن وقع في حَدَثٍ مماثل فَوُفِّق للحل المناسب. وعادة ما يصاب المرء حين المشكلة بضيق في الرأي، وتعكير على صفو التفكير، يحتاج معه إلى الاستناد إلى آراء الآخرين، للخلاص مما هو واقع فيه.
وأعرف شابّاً وقع في بيته حدث كاد يُودِي بالحياة الزوجية إلى أمر محزن، لولا أن الله وفقه لاستشارة صاحب رأي من إخوانه، فطمأنه إلى أنه لا مشكلة فيما حدث، إن عمل بمشورته بإذن الله، وفعلاً انقلبت المشكلة إلى سعادة ورضا، وصارت الزوجة تخجل من نفسها إذا تذكرت ما حصل منها، وحمد الزوج ربّه على الأناة، وضبط اللسان، واستشارة ذوي الشأن.
(وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً) (النساء:35).
و-الرضا بالقضاء والقدر :
إن من أعظم ثمرات الإيمان بقدر الله وقضائه، الاطمئنان إلى عدل الله وحكمته، فإن أمر المؤمن كلَّه له خير، إن أصابته سراءُ شكر فكان خيراً له، وإن أصابه ضراء صبر فكان خيراً له، والصبر على مُرِّ القضاء دليل على قوة الإيمان وهو ابتلاء من الرحمن لعبده، أيقابله بالشكر والرضا، أم بالكفر، والسخط بما قدره الله تعالى، والاعتراض على حكمته وتدبيره.
وليعلم الزوجان أن رضاهما بما قدر عليهما كعدم الإنجاب، أو ضعف الولد أو تشويهه أو نحو ذلك من أسباب المشكلات، واحتسابهما الأجر عند ربهما وصبرهما على بليتهما خيرٌ لهما في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا سعادةٌ وانشراحُ صدرٍ. وفي الآخرة جنة، ورضوان من الله أكبر.
وإنه لينقضي عجبك من قوم تسمع عن أحدهم أنه هدد امرأته بالطلاق، لأنها تنجب البنات. وكأنه لا يدري أن أمر الولد ليس موكولاً إليها، ولا إلى أحد من المخلوقين، بل هو تقدير العزيز العليم (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً) (الشورى: الآيتان 49،50). وكأنه أدرى بالحكمة وأعرف بالمصلحة من ربه – جل وعلا -، وهذا التصرف دليل على ضعف الإيمان، وقلة اليقين.
وقد روت كتب الأخبار أن رجلاً سخط على امرأته وهجرها لأنها مئناثٌ لا تَلِدُ إلا البنات، وتزوج من أخرى، فأنشأت أبياتاً تقولها وهي ترقص إحدى بُنياتها وتبين أنه لا مجال للسخط عليها:
مــال أبـي حـمزة لا يأتينا
يـظـل فـي البيت الذي يلينا
غضبــان أنا لا نلد البنينــا
تاللــه مـا ذاك فـي أيدينا
وإنما نحن كالأرض لزارعينــا
ننبــت مـا زرعـوه فينـا
فأدرك الزوج خطأه، وعاد إلى زوجته، وعاشرها بالحسنى.
وقد يبتلى بعض الرجال بزوجة دميمة، فعليه أن يصبر على ما ابتلي به (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) (النساء: من الآية19). وعليه ألا يُعَيّر المرأة بدمامتها، وهو أمرٌ ليس من تقدريها وخلقها، وقد يؤدي مثل هذا التعيير والتنقص إلى إثارة المرأة ومحاولتها الانتقام من زوجها، كما نشرت جريدة الرياض قصة امرأة مصرية، قتلت زوجها، وقطعته عدة قطع، لأنه كان يعيرها بقبحها، ويهددها بالزواج عليها.
ومثل ذلك إذا أنجبت المرأة أولاداً معوقين، فعليه بالرضا بالقضاء والقدر، ولعل الله أراد به خيراً، وإذا أحب الله عبداً ابتلاه، وعليه بفعل ما يشرع من الأسباب لتلافي مثل ذلك، وقل مثل هذا إذا أصيب أحد الزوجين بمرض أو عاهة فعلى الآخر الرضا والصبر والاحتساب، فالله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
وعلى الزوجة أن تصبر إذا افتقر زوجها بعد غنى، أو ابتلي بمصيبة من مصائب الدنيا كالسّجن والتغرب وغيرها (سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً) (الطلاق: من الآية7).
--------------------------------------------------------------------------------
1 - رواه البخاري (فتح 9/320) والصَّحْفَة: إناء يشبع الخمسة. والخادم: واحد الخَدَم يطلق على الذكر والأنثى.
2 - رواه أحمد 5/231، 236، 237، والترمذي (2616) وقال: حديث حسن صحيح.
3 - هذا لا يتعارض مع الذي قبله فليتأمل.
: أمور متفرقة
بقيت أمور مهمة، الحديث عنها، وإبداء الرأي فيها جزء من مقومات السعادة الزوجية، أفردتها لأهميتها في الحياة الزوجية، وهي كالتالي: