نور الشمس
عدد الرسائل : 1153 الاوسمة : تاريخ التسجيل : 29/03/2008
| موضوع: الابتلاء في سيرة سيد الأنبياء السبت أبريل 19, 2008 10:46 pm | |
| عنمصعب بن سعد، عن أبيه، قال: قلت: يا رسول الله، أي الناس أشد بلاء؟ قال:"الأنبياء، ثم الأمثل، فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينهصلباً، اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة، ابتلي على حسب دينه، فما يبرحالبلاء بالعبد، حتى يتركه يمشي على الأرض، ما عليه خطيئة"(1).شدتنيأخبار ابتلائه صلى الله عليه وسلم، وكان لشدة الابتلاءات التي نزلت به دفعشديد لأتعرف على كل بلاء قرأت عنه في القرآن الكريم أو في سيرته، فوجدتهالقدوة، مثلما هو في جميع أعماله ومكوناته! وأحسبني بهذا البحث، قد وقعتعلى كنز من أثمن كنوز سنته وسيرته! ولقد طالعت نيفاً وعشرين ابتلاء، حدثله، وعاناه، فاستحسنت أن أخصها بمتابعة، عسى الله أن ينفع بها الأحبةالسائرين في طريق دعوته، وعلى دربه، راجياً أن يكون ذلك عوناً للدعاةوالمجاهدين، بل للمبتلين.ولنبلونكمبالتأملفي كلمة "ولنبلونكم"، التي وردت في سورة البقرة، الآية 155، وفي سورةمحمد، الآية 31، وفي كلمة "لتبلون"، التي وردت في سورة آل عمران، الآية186، نجد الفعل المضارع، الذي يفيد الاستمرار والاستقبال، ونجد تعددالمؤكدات مع كل فعل -اللام والنون الثقيلة في الأفعال- هذا التوكيدالمتكرر، لا يتركنا حيارى أمام هذا الواقع، الذي يعيشه المؤمن المبتلى أوالجماعة المبتلاة، ولا نبقى حيارى أمام كثرة الابتلاءات النازلة بعبادالله الصالحين، (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفسوالثمرات وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإناإليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)(2)، (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم)(3)،(لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومنالذين أشركوا أذى كثيراً وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور).فإذااستحضرنا حديث مصعب بن سعد مع هاتين الآيتين، برقت الأبصار، وسطعت البصائرأمام وضوح الحديث القرآني والنبوي في تبيان السنة الإلهية الماضية بحقالعبد الصالح، "فإن كان دينه صلباً، اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة،ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد، حتى يتركه يمشي على الأرض،ما عليه خطيئة".تحدثت عن ابتلاء العباد الصالحين هاهنا، والموضوع في ابتلاءات سيد المرسلين كحديث الفرع بعد الأصل.الابتلاء الأول: محمد اليتيمإنحاجة المولود إلى أبيه لا تخفى على أحد، لاسيما في البيئة العربية ونظامالمراضع، اللواتي يحظين بالعطاء الجزيل، في مقابل إرضاع المولود شكل منأشكال العز، الذي يحيط بالمولود، ثم يبقى مع سيرة الولد، فيقال: المسترضعفي بني فلان أو بني فلان، يبقى حديث الرضاعة جزء من سيرة الرجل، فإذا ماصار للرجل شأن، كان ذلك من مفاخر المرضع وقبيلتها!لم يشعر المولودبهذا الحرمان، ولكن مثله حينما يتذكر أيامه في المهد على هذه الحال،غالباً ما يتأثر، خاصة إذا توالت عليه النوائب.. كموت الأم، ثم موت الجد،ثم التواجد التكافلي في بيت العم، رغم حنو هذا العم، ورغم تتابع السنين فيبيت عطوف، إلا أننا لا ندري ماذا عانى محمد مما يعانيه الأطفال في مثلسنه، وفي غير بيته؟!إن الضعف النفسي والانكسار الوجداني لليتيم، ثم اللطيم(4)،كان من إرادة الله بهذا الطفل، الذي يعده الله لأمر عظيم، على خلاف أحوالالأطفال، الذين قد يعدون في نعمة الآباء ونعيم الأمهات لشؤون دنيوية، بلعلى خلاف أحوال أنبياء سابقين، أُعدوا بين آبائهم وأمهاتهم.روى عدد منكتاب السيرة والمحدثين الثقات أن عبد المطلب أرسل محمداً ذات مرة في طلبإبل له، ضلت، فغاب وقتاً، فحزن عليه جده حزناً شديداً، وعندما عاد محمدبالإبل، أقسم عبد المطلب ألا يبعثه في حاجة له أبداً، ولا يفارقه بعد هذاأبداً!ولما مات جده، اعتنى به عمه أبو طالب، فكان لا ينام إلا ومحمدإلى جنيه، ولا يخرج إلا معه، ويخصه بالطعام، ولا يأكل إلا عندما يحضرمحمد، وظل يحوطه بعنايته إلى ما بعد البعثة، حين حاربه جميع قومه...أسأل القارئ: هل يعوض ذلك كله عن عطف الأب وحنان الأم؟لقدصنع الله للطفل محمد اليتيم شيئاً من عطاء الأبوة والأمومة في قلوب الجدوالعم وتوابعهما (ألم يجدك يتيماً فآوى)، ولكن من أعطف من الأب؟ ومن أحنمن الأم؟؟ اللهم إلا أنت، يا خالق العطف، والرب العطوف، ويا خالق الحنان،وأنت الذي أسميت نفسك الحنّان.لقد طلب صلى الله عليه وسلم من ربه أن يزور قبر أمه، فأذن له.. فعلام يدل طلب هذه الزيارة؟روىمسلم في صحيحه: "استأذنت ربي أن أستغفر لأمي، فلم يأذن لي، واستأذنته أنأزور قبرها، فأذن لي". وعند النسائي، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: زاررسول الله صلى الله عليه وسلم قبر أمه، فبكى، وأبكى من حوله، وقال:"استأذنت..." الحديث. إنه حتى بعد أن غمرته صلى الله عليه وسلم أنوارالنبوة، هاهو ذا يعيش لوعة الشوق إلى الأم والتعلق بها، إنها الفطرةالسوية وما يتعلق بها من حنين، وما أصابه وبقي في نفسه بسبب فقد حنان الأمحيناً من الدهر في طفولته. | |
|