من هو إبليس ـ إن إبليس كان من الجن ولم يكن من الملائكة.. لأن الملائكة لا يعصون الله. ولأن الجن لهم اختيار كالانسان تماما.
إن بعض العلماء.. يقسمون الأجناس المختارة الى ثلاثة أقسام: الشياطين،
والجن والانس.. ونقول لهم: إن هذا التقسيم غير صحيح.. لأن الجنسين
المختارين من خلق الله.. هما الانس والجن.. وفي ذلك يقول الله سبحانه
وتعالى:
{سنفرغ لكم أيه الثقلان} الرحمن 31.
وفي سورة الجن نقرأ قول الحق سبحانه:
{ وأنّا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحرّوا رشدا وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا} الجن 14ـ15.
وهكذا نرى أن الجن منه من هو صالح، ومن هو فاسق.. وأن فسقة الجن هم
الشياطين.. أما ما يقال عن أن هناك جنسا ثالثا أو رابعا مما أخبرنا الله
عنه.. فنقول لهم:
لا.. ليس هناك الا الانس والجن مختارين.. وكما أخبرنا الله سبحانه وتعالى..
إذن إبليس من الجن.. عصى الله سبحانه وتعالى في أمر السجود لآدم.. وفي ذلك نقرأ قول الحق جل جلاله:
{ فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه} الكهف 50.
وهكذا كانت معصية إبليس.. برفضه أمر الله سبحانه وتعالى في السجود
لآدم. ولكن هذا الرفض من إبليس مجرد سهو أو خطأ ندم عليه؟.. أم كان رفضه
استكبارا بالغرور الذي دخل نفسه؟.. والكبر الذي ملأ صدره؟.
لقد كانت معصية إبليس غرورا وكبرا وإصرارا على المعصية.. فهو ـ لكبره
وغروره ـ رد الأمر على الآمر.. وهو الله سبحانه وتعالى.. كما يروي لنا
القرآن الكريم:
{أءسجد لمن خلقت طينا} الاسراء 61.
وقال كما يحكي القرآن:
{ قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين} الأعراف 12.
فكأن إبليس رد الأمر على الله سبحانه وتعالى بقوله: كيف تريدني أن
أسجدلإنسان مخلوق من طين. وأنا مخلوق من نار إنه يريد أن يبرر معصيته
وفسوقه بأن النار عنصر أرقى من الطين.. لأن فيها شفافية.. والمخلوق من نار
يمتاز عن المخلوق من الطين بأشياء كثيرة.. إنه يمتاز عليه بسرعة الحركة
وخفتها، ويمتاز عليه أيضا بأنه يستطيع أن يصعد الى مسافات عالية.. وأنه
يخترق الجدران.. ويدخل الأماكن المغلقة.. التي لا يستطيع أن يدخلها
الانسان.
لا فضل لعنصر على آخر
صور له غروره.. فاعتقد أنه هو الأفضل، ونسي أن هذه الميزات كلها لم يحصل
عليها بذاته ولا بنفسه بل الله سبحانه وتعالى هو الذي وضع هذه الميزات في
المادة التي خلق منها الجن، ولولا أن الحق سبحانه وتعالى أوجد هذه الميزات
في المخلوق من النار.. ما كانت قد وجدت.
إن فالفضل في ذلك ليس للعنصر الذي خلق منه إبليس، ولكن الفضل للذي
أوجد هذه المواصفات في عنصر النار.. وأن الله تبارك وتعالى.. إن شاء سلب
النار كل هذه العناصر.. فيصبح إبليس أحط خلق الله.
وكانت هذه أولى درجات الكفر والغرور والكبرياء من إبليس. أنه نسب الفضل
لذاته.. بأنه مخلوق من عنصر أعلى من الطين.. وهو النار.. تماما كما فعل
قارون حين قال كما يروي القرآن الكريم:
{إنما أوتيته على علم عندي} القصص 78.
فكان جزاؤه أن خسف الله به وبداره الأرض.
وتمادى إبليس في معصيته كما يروي لنا القرآن الكريم:
{قال فبما أغويتني لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم} الأعراف 16.
وهنا لنا وقفة ثانية ـ في قول إبليس كما روى لنا القرآن الكريم ـ {فبما
أغويتني} فكان الغواية حدثت من الله سبحانه وتعالى.. فكيف يحاسب إبليس مع
أن الله جل جلاله هو الذي أغواه؟.
نقول: إن أبليس استحق الغواية لما كسبت يداه، ولقد دخل الكبر الى نفسه..
واعتقد أنه قد أخذ كل ما أخذه.. سواء من عناصر تكوينية أو على علم من
ذاته، فتركه الله سبحانه وتعالى لغروره.. فغوى. فكأن البداية كانت من
الشيطان.. فاستحق أن يتركه الله لنفسه ولغروره.. فوقع في الكفر.. ذلك أن
الحق جل جلاله يقول لنا في القرآن الكريم:
{والله لا يهدي القوم الفاسقين} المائدة 108.
وقوله تعالى:
{ إن الله لا يهدي القوم الكافرين} المائدة 67.
وإبليس فسق وكفر.. فسق بأنه عصى أمر الله في السجود، والفسوق معناه
البعد عن المنهج.. يقال فسقت الرطبة عندما يصبح البلح رطبا.. البلح وهو
أحمر تلتصق قشرته بالثمرة.. فلا تستطيع أن تنزعها.. فإذا أصبح رطبا ابتعدت
القشرة عن الثمرة.. وأصبح من السهل نزعها.. وهنا يقال فسقت الرطبة أي
انقطعت قشرتها عن قمرنها.. والفسوق ابتعاد عن المنهج. والله سبحانه وتعالى
أبلغنا أن إبليس فسق وكفر.. في قوله جل جلاله:{ إلا إبليس كان من الجن
ففسق عن أمر ربه}.
والله تبارك وتعالى ترك إبليس لنفسه.. فغوى وسقط في المعصية
والكفر..ذلك أن الله لا يظلم أحدا.. ولكن الظلم يأتي من النفس. وعندما
يظلم المخلوق نفسه.. ويتخذ طريق الكفر.. فإن الله يتركه للطريق الذي
اختاره.. فما دام قد اختار الكفر.. فالله غني عنه.. لأن الله غني عن خلقه
جميعا. إبليس أخذ من هذه العناصر ـبكفره وغروره ـ حجة أنه هو الأعلى.. هكذا